الدكتور
المهندس زهير العلمي
أعطاه
الله الكثير فكان خير الأوفياء بما اؤتمن عليه
بقلم:
الفنان التشكيلي عيسى يعقوب
لا
أخفي سراً إذا قلت إنني أجد الكثير من الكلام الذي يمكن أن أقوله إذا ما أردت
الدخول في أي موضوع أو حتى في حال أردت الحديث عن أي شخص لكنني أحياناً أتلكأ
عندما أريد التحدث عن رجل مهيب في عطائه وكرمه خشية أن تقصر حروفي في وصف مقام
جوده أو تقصر كلماتي في التعبير عما قدم وأعطى ووهب ومنح... صحيح أن الله هو
المعطي وهو المانح وهو الواهب وهو الرازق وهو صاحب الفضل كله وما صاحب الثروة إلا
شخص مؤتمن لأن الملك كله لله، إلا أنه هو أيضاً الذي علم عباده كيف يكونون كرماء
وأسخياء ومن لا يستطيع أن يمتدح كرم عباد الله لن يستطيع أن يكون مخلصاً ووفياً في
الثناء على رب الكرم ورب العطاء...
فعندما
أقرأ مثلاً عن منح وعطايا وهبات قدمها أحد أكثر الرجالات الفلسطينيين عطاءاً أشعر
أنني مضطر للتحليق بأعلى ما يمكنني من تعابير الغبطة والسعادة أن الدنيا ما يزال
فيها أناس عظماء يستحقون الإجلال والاحترام وأقصد هنا بالحديث شخص الدكتور زهير
العلمي الذي أشعر أنه بحق إنسان استثناء في كرمه وفي جوده وفي عطائه وفي سماحته
وتسامحه، فعطاءات هذا الرجل العظيم كثيرة جداً شهد له بها القاصي والداني، حيث قدم
للفلسطينيين الكثير الكثير، وموّل عدداً كبيراً من المشاريع الحيوية لرعاية حاجات
مجتمعه وأبناء شعبه على مستوى المؤسسات والأفراد، وهي حاجات صحية وتربوية
واجتماعية وثقافية ورياضية، تشمل فيما تشمل ضرورة الحفاظ على التراث الفلسطيني
مادياً كان أو معنوياً، ومنها: مدرسة زهير العلمي الثانوية، ومسجد النور،.. كما
تولى الدكتور زهير مع إخوانه تمويل العديد من المشاريع الأخرى، التي بلغت ملايين
من الدولارات، ومنها: تأهيل مسجد السيد هاشم بغزة، ومركز المعاقين في حي الدرج،
ومركز الحروق في مستشفى دار الشفاء، ومدرسة سامي العلمي، ومدرسة عدنان العلمي،..
كما موّلوا بناء المبنى الجديد لمركز الوفاء لرعاية المسنين، على قدر من الأهمية،
بتكلفة بلغت 1.7 مليون دولار، تكريماً وتخليداً لذكرى شقيقتهم المرحومة سعاد يوسف
العلمي، التي فقدوها وحزنوا عليها أشد الحزن، جامعين بذلك بين الوفاء والمحبة
لشقيقتهم ولمجتمعهم...
وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أن تاريخ الدكتور المهندس زهير العلمي حافل بالنضال والكفاح والنشاط الوطني والقومي المشرّف حيث كان عضواً فاعلاً في المؤتمر الفلسطيني الأول في القدس عام 1964 في عهد أحمد الشقيري مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية، وساهم في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وأصبح عضواً في مجلسها الثوري، وكان رئيساً للمؤتمر العام الثالث للحركة الذي عقد في دمشق عام 1970، وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيساً لمجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني في نفس العام، وشارك في إجراء كثير من الاتصالات بين حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وبعض الدول العربية، وكان عضواً في عدة وفود لبلدان عربية برئاسة الرئيس ياسر عرفات، وأبو يوسف النجار، وخالد الحسن لحشد الدعم للقضية الفلسطينية ومنها: وفد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الرئيس ياسر عرفات إلى المملكة العربية السعودية حيث التقوا الملك فيصل بن عبد العزيز. كما سافر في آذار 1970 ضمن وفد فلسطين برئاسة خليل الوزير إلى الصين والتقوا رئيس وزرائها شوان لاي، في عام 1970،.. علماً بأن الدكتور يوسف العلمي من مواليد مدينة غزة في حزيران عام 1935 وهو من أنبل من أنجبت مدينة غزة وطنيةً وخلقاً، وكان والده المرحوم يوسف محمد العلمي أحد أبرز رموز الحركة الوطنية في فلسطين مطلع القرن العشرين. وتلقى المهندس زهير علومه الأولية في مدينته، وأنهى الثقافة العامة عام 1951 وشهادة التوجيهي عام 1952 من مدرسة الإمام الشافعي بغزة، وأحرز قصب السبق بين زملائه، إذ حاز على المرتبة الأولى في قطاع غزة، وكان من نشطاء الحركة الكشفية والرياضية، ثم سافر إلى مصر عام 1952 والتحق بجامعة فؤاد الأول/ القاهرة الآن، ودرس الهندسة المدنية، وحاز على شهادتها عام 1957 بتقدير جيد جداً، وبرز خلال دراسته الجامعية في رابطة الطلبة الفلسطينيين (اتحاد طلبة فلسطين) في القاهرة، وانتخب عضواً في لجنتها التنفيذية عام 1955، أثناء العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956 سافر مع وفد برئاسة صلاح خلف لجمع التبرعات؛ لمساعدة الطلبة الغزيين الذين انقطعت عنهم الموارد المالية؛ بسبب العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956، وفي نفس العام مثَّل رابطة طلبة فلسطين مع ياسر عرفات وصلاح خلف في مؤتمر الطلاب العالمي في براغ بتشيكوسلوفاكيا، ونظراً للنجاح الذي حققه الوفد الفلسطيني في هذا المؤتمر، فقد دعيت الرابطة للاشتراك في مهرجان الشباب العالمي الذي أُقيم في موسكو صيف عام 1957 فشكل وفداً من عشرين عضواً برئاسة صلاح خلف، وكان زهير العلمي عضواً فيه... وفي عام 1957 التحق بجامعة تكساس في أوستن، وحصل على الماجستير في الهندسة المدنية عام 1959، وتابع دراسته في نفس الجامعة ونال الدكتوراه في تخصصه عام 1962، وساهم خلال دراسته في أمريكا في أنشطة جمعية الطلبة العرب، وكان رئيساً لفرع الجمعية بجامعة تكساس في عام 1959، وعضواً في لجنتها التنفيذية عام 1960، ثم نائباً لرئيسها عام 1961، عاد إلى لبنان، وعمل أستاذاً بكلية الهندسة في الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1962، واستمر في التدريس حتى عام 1976، وكان أيضاً أستاذاً زائراً في كلية الهندسة بجامعة بيروت العربية في الفترة (1965– 1975)، تعرف على الأستاذ منير الخطيب خلال عمله في الجامعة الأمريكية، الذي كان يعمل أيضاً بنفس الكلية، واشترك معه في تأسيس شركة هندسية استشارية، عُرفت باسم شركة الاتحاد الهندسي (خطيب وعلمي)، والتي بدأت عملها في لبنان عام 1964، وانطلقت في نشاطها في المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة عام 1969. وتوسعت أعمال الشركة منذ 1972، وأصبح لها فروع من المحيط إلى الخليج، مما اضطر كلا الشريكين المؤسسين لترك التدريس، والتفرغ لأعمال الشركة التي أصبحت بجهودهما من أهم الشركات العربية والاستشارية في الوطن العربي... وبالرغم من أن فروع هذه الشركة تنتشر في الإمارات والسعودية ومسقط والبحرين وقطر منذ حوالي 35 عاماً، وكذلك في مصر والكويت والعراق والمغرب العربي، وعدة مدن فلسطينية ولها مكاتب وأنشطة في كافة الأقطار العربية، وحتى في أوروبا وأميركا، إلا أنها حريصة دوماً على أن تزيد أعمالها وتتوسع بشكل مدروس، وتهتم كثيراً بسمعتها كشركة كبرى تقدم جودة عالية، وقامت بعدة مشاريع في المنطقة، كان لها أثرها على الدول أو المدن التي أنشئت فيها.
ختاماً
أود القول بأن هذا الرجل العظيم صاحب الأيادي البيضاء قمت بزيارة له لتقديم درع
القدس العاصمة الأبدية لفلسطين ولوحة فنية تجسد حبه للقدس في بيروت وقد عبر عن
سروره، ثم سألني عن وضع أهلنا في سورية ومخيم اليرموك وتألم كثيراً على أهلنا في
اليرموك وخاصة من عائلتي وقام بالمساعدة المادية الفورية وأوصلت المساعدة للمشردين
وما كان منهم إلا الدعاء له،.. وفي الحقيقة أود التأكيد أن هذا الرجل العظيم لا
يتوانى عن مساعدة المحتاجين على مدار السنة فقد حصل معي أنني كنت بحاجة إلى عملية
جراحة القلب المفتوح في حالة إسعافية واتصلت ابنتي عبير معه في بيروت وأعلمته،
فعلى الفور قدم المساعدة المالية لإجراء العملية الجراحية وتمت بنجاح وشكرته ابنتي
عبير التي تكن له جليل الاحترام، وقالت له لو أن كل رجال الأعمال في الوطن العربي
قاموا بما تفعل من تقديم الزكاة لم بقي فقيراً على وجه الأرض.